فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{وَالسماء وَالطَّارِقِ (1)}
أقسم الله تعالى بـ: {السماء} المعروفة في قول جمهور المتأولين، وقال قوم: {السماء} هنا، المطر، والعرب تسمية سماء، لما كان من السماء، وتسمي السحاب سماء، ومن ذلك قول الشاعر جرير: الوافر:
إذا نزل السماء بأرض قوم ** رعيناه وإن كانوا غضابا

وقول النابغة: الكامل:
كالأقحوان غداة غب سمائه

{والطارق} الذي يأتي ليلاً، وهو اسم جنس لكل ما يظهر ويأتي ليلاً، ومنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من أسفارهم أن يأتي الرجل أهله طروقاً، ومنه طروق الخيال، وقال الشاعر: البسيط:
يا نائم الليل مغتراً بأوله ** إن الحوادث قد تطرقن أسحاراً

ثم بين الله تعالى الجنس المذكور بأنه {النجم الثاقب}، وقيل بل معنى الآية: {والسماء} وجميع ما يطرق فيها من الأمور والمخلوقات، ثم ذكر تعالى بعد ذلك على جهة التنبيه أجل الطارقات قدراً وهو {النجم الثاقب}، فكأنه قال: {وما أدراك ما الطارق}، وحق الطارق، واختلف المتأولون في {النجم الثاقب}، فقال الحسن بن أبي الحسن ما معناه: إنه اسم للجنس، لأنها كلها ثاقبة، أي ظاهرة الضوء، يقال ثقب النجم إذا أضاء، وثقبت النار، كذلك، وثقبت الرائحة إذا سطعت، ويقال للموقد اثقب نارك، أي اضئها، وقال ابن زيد: أراد نجماً مخصوصاً: وهو زحل، ووصفه بالثقوب، لأنه مبرز على الكواكب في ذلك، وقال ابن عباس: أراد الجدي، وقال بعض هؤلاء يقال: ثقب النجم، إذا ارتفع وصف زحلاً بالثقوب لأنه أرفع الكواكب مكاناً.
وقال ابن زيد وغيره: {النجم الثاقب}: الثريا، وهو الذي يطلق عليه اسم النجم معرفاً، وجواب القسم في قوله: {إن كل نفس} الآية.
وقرأ جمهور الناس: {لما} مخففة الميم، قال الحذاق من النحويين وهم البصريون: مخففة من الثقيلة، واللام: لام التأكيد الداخلة على الخبر، وقال الكوفيون: {إن}، بمعنى: ما النافية، واللام بمعنى: إلا، فالتقدير ما كان نفس إلا {عليها حافظ}.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي والحسن والأعرج وأبو عمرو ونافع بخلاف عنهما وقتادة: {لما} بتشديد الميم، وقال أبو الحسن الأخفش: {لما} بمعنى: إلا، لغة مشهورة في هذيل وغيرهم، يقال: أقسمت عليك لما فعلت كذا، أي إلا فعلت كذا، ومعنى هذه الآية فيما قال قتادة وابن سيرين وغيرهما: إن كل نفس مكلفة فعليها حافظ يحصي أعمالها ويعدها للجزاء عليها، وبهذا الوجه تدخل الآية في الوعيد الزاجر، وقال الفراء، المعنى: {عليها حافظ} يحفظها حتى يسلمها إلى القدر، وهذا قول فاسد المعنى لأن مدة الحفظ إنما هي بقدر،
وقال أبو أمامة: قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية «إن لكل نفس حفظة من الله تعالى يذبون عنها كما يذب عن العسل، ولو وكل المرء إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الطير والشياطين،».
وقوله تعالى: {فلينظر الإنسان مم خلق}، توقيف لمنكري البعث على أصل الخلقة، أي أن البعث جائز ممكن، ثم بادر اللفظ إلى الجواب اقتضاباً وإسراعاً إلى إقامة الحجة، إذ لا جواب لأحد إلا هذا، و{دافق}، قال كثير: هو بمعنى: مدفوق، وقال الخليل وسيبويه: هو على النسب أي ذي دفق، والدفق: دفق الماء بعضه إلى بعض، تدفق الوادي والسيل، إذا جاء يركب بعضه بعضاً، ويصح أن يكون الماء دافقاً، لأن بعضه يدفع بعضاً، فمنه {دافق} ومنه مدفوق. وقوله تعالى: {يخرج من بين الصلب والترائب}، قال قتادة والحسن وغيره: معناه من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائبه، وقال سفيان وقتادة أيضًا وجماعة: من بين صلب الرجل وترائب المرأة، والضمير في {يخرج} يحتمل أن يكون للإنسان، ويحتمل أن يكون للماء.
وقرأ الجمهور: {الصلب}.
وقرأ أهل مكة وعيسى: {الصلب} بضم اللام على الجميع، والتريبة من الإنسان: ما بين الترقوة إلى الثدي، وقال أبو عبيدة، معلق الحلي على الصدر، وجمع ذلك: ترائب ومنه قول الشاعر المثقب العبدي: الوافر:
ومن ذهب يسن على تريب ** كلوان العاج ليس بذي غضون

وقال امرؤ القيس: الطويل:
ترائبها مصقولة كالسجنجل

فجمع التريبة وما حولها فجعل ذلك ترائب، وقال مكي عن ابن عباس: إن الترب أطراف المرء ورجلاه ويداه وعيناه، وقال معمر: {الترائب}، جمع تربية، وهي عصارة القلب، ومنه يكون الولد، وفي هذه الأقوال تحكم على اللغة، وقال ابن عباس: {الترائب} موضع القلادة، وقال أيضًا: هي ما بين ثدي المرأة، وقال ابن جبير: هي أضلاع الرجل التي أسفل الصلب، وقال مجاهد: هي الصدر، وقال هي التراقي، وقيل هي ما بين المنكبين والصدر.
وقوله تعالى: {إنه على رجعة لقادر} الضمير في {إنه} لله تعالى، واختلف المفسرون في الضمير في {رجعه}: فقال قتادة وابن عباس: هو على {الإنسان} على أي على رده حياً بعد موته، وقال الضحاك: هو عائد على {الإنسان} لكن المعنى يرجعه ماء كما كان أولاً، وقال الضحاك أيضًا: يرد من الكبر إلى الشباب، وقال عكرمة ومجاهد: هو عائد على الماء، أي يرده في الإحليل، وقيل في الصلب، والعامل في {يوم} على هذين القولين الأخيرين فعل مضمر تقديره اذكر {يوم تبلى السرائر}، وعلى القول الأول، وهو أظهر الأقوال وأبينها، اختلفوا في العامل في {يوم}، فقيل: العامل {ناصر}، من قوله تعالى: {ولا ناصر}، وقيل العامل الرجع في قوله تعالى: {على رجعه}، قالوا وفي المصدر من القوة بحيث يعمل وإن حال خبر ان بينه وبين معموله، وقال الحذاق العامل فعل مضمر تقديره: {إنه على رجعه لقادر}، فرجعه {يوم تبلى السرائر}، وكل هذه الفرق فسرت من أن يكون العامل (قادر)، لأن ذلك يظهر منه تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحده، وإذا تؤمل المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب، جاز أن يكون العامل (قادر)، وذلك أنه قال: {إنه على رجعه لقادر}، أي على الإطلاق أولاً وآخراً وفي كل وقت، ثم ذكر تعالى وخصص من الأوقات الوقت الأهم على الكفار لأنه وقت الجزاء والوصل إلى العذاب ليجتمع الناس إلى حذره والخوف منه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {والسماء والطارق}
قَسَمان: {السماء} قَسَم، و{الطارق} قَسَم.
والطارق: النجم.
وقد بينه الله تعالى بقوله: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطارق النجم الثاقب}.
واختلف فيه؛ فقيل: هو زُحَل: الكوكب الذي في السماء السابعة؛ ذكره محمد بن الحسن في تفسيره، وذكر له أخباراً، الله أعلم بصحتها.
وقال ابن زيد: إنه الثُّريا.
وعنه أيضًا أنه زُحَل؛ وقاله الفراء.
ابن عباس: هو الجَدْي.
وعنه أيضًا وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما والفراء: {النجم الثاقِب}: نجم في السماء السابعة، لا يسكنها غيره من النجوم؛ فإذا أخَذَت النجوم أمكنتها من السماء، هبط فكان معها، ثم يرجع إلى مكانه من السماء السابعة، وهو زُحَل؛ فهو طارق حين ينزل، وطارق حين يصعد.
وحكى الفراء: ثَقُبَ الطائر: إذا ارتفع وعلا.
وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً مع أبي طالب، فانحط نجم، فامتلأت الأرض نوراً، ففزِع أبو طالب، وقال: أي شيء هذا؟ فقال: هذا نجم رُميَ به، وهو آية من آيات الله. فعجِب أبو طالب، ونزل: {والسماء والطارق}» وروي عن ابن عباس أيضًا {والسماء والطارِقِ} قال: السماء وما يطْرُق فيها.
وعن ابن عباس وعطاء: {الثاقب}: الذي تُرْمَى به الشياطين.
قتادة: هو عام في سائر النجوم؛ لأن طلوعها بليلٍ، وكل من أتاك ليلاً فهو طارق.
قال:
ومِثلك حبلى قد طرقت ومرضِعاً ** فألهيتها عن ذي تمائم مُغْيِل

وقال:
ألم ترياني كلما جئت طارقاً ** وجدت بها طيباً وإن لم تَطَيَّبِ

فالطارق: النجم، اسم جنس، سمي بذلك لأنه يطرق ليلاً، ومنه الحديث: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرُق المسافر أهلَه ليلاً، كي تستحِدّ المُغِيبة، وتمتشط الشعِثة» والعرب تسمي كل قاصدٍ في الليل طارقاً.
يقال: طرق فلان إذا جاء بليل.
وقد طرُق يطرق طروقاً، فهو طارق.
ولابن الرومِي:
يا راقدَ الليل مسروراً بأوّلهِ ** إن الحوادث قد يطرُقن أسحارا

لاتفرحَنَّ بليل طاب أوّله ** فرب آخرِ ليلٍ أجج النارا

وفي الصحاح: والطارق: النجم الذي يقال له كوكب الصبح.
ومنه قول هند:
نحنُ بناتِ طارِقٍ ** نمشي على النمارقِ

أي إن أبانا في الشرف كالنجم المضيء.
الماورديّ: وأصل الطَّرْق: الدّق، ومنه سميت المِطرقة، فسمي قاصدُ الليلِ طارقاً، لاحتياجه في الوصول إلى الدق.
وقال قوم: إنه قد يكون نهاراً.
والعرب تقول؛ أتيتك اليوم طَرْقَتين: أي مرتين.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بك من شر طوارِقِ الليل والنهار، إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن» وقال جرير في الطروق:
طَرَقَتْكَ صائدةُ القلوب وليس ذا ** حينَ الزيارة فارجِعِي بسلامِ

ثم بين فقال: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطارق النجم الثاقب} والثاقب: المضيء.
ومنه {شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 10].
يقال: ثقُب يثْقُب ثُقُوباً وثقابة: إذا أضاء.
وثُقوبُه: ضوءه.
والعرب تقول: أثقِب نارك؛ أي أضئها.
قال:
أذاعَ به في الناسِ حتّى كأَنه ** بعلياءَ نارٌ أوقدتْ بثَقُوبِ

الثَّقوب: ما تشعل به النار من دُقاق العِيدان.
وقال مجاهد: الثاقب: المتوهِّج.
القشيري: والمعظَم على أن الطارق والثاقب اسم جنس أريد به العُموم، كما ذكرنا عن مجاهد.
{وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطارق} تفخيماً لشأن هذا المقسَمِ به.
وقال سفيان: كل ما في القرآن {وما أدراك} فقد أخبره به. وكل شيء قال فيه {وما يدريك}: لم يخبره به.
{إن كل نفس لما عليها حافظ (4)}
قال قتادة: حَفَظة يحفظون عليك رِزقك وعملك وأجلك.
وعنه أيضًا قال: قرِينه يحفظ عليه عمله: من خير أو شر.
وهذا هو جواب القسم.
وقيل: الجواب {إِنه على رجعه لقادِر} في قول الترمذي: محمد ابن علي.
و{إن}: مخففة من الثقيلة، و(ما): مؤكدة، أي إن كل نفس لعليها حافظ.
وقيل: المعنى إن كل نفس إلا عليها حافظ: يحفظها من الآفات، حتى يُسلمها إلى القدر.
قال الفراء: الحافظ من الله، يحفظها حتى يسلمها إلى المقادير، وقاله الكلبيّ.
وقال أبو أمامة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وكِّل بالمؤمن مائة وستون ملكاً يذُبُّون عنه ما لم يقدر عليه. من ذلك البصر، سبعة أملاك يذبون عنه، كما يذب عن قصعة العسل الذباب. ولو وكِل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين» وقراءة ابن عامر وعاصم وحمزة {لما} بتشديد الميم، أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، وهي لغة هذيل.
يقول قائلهم: نَشَدتك لما قمت.
الباقون بالتخفيف، على أنها زائدة مؤكدة، كما ذكرنا.
ونظير هذه الآية قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} [الرعد: 11] على ما تقدم.
وقيل: الحافظ هو الله سبحانه؛ فلولا حفظه لها لم تبق.
وقيل: الحافظ عليه عقله، يرشده إلى مصالحه، ويكفه عن مضارّه.
قلت: العقل وغيره وسائط، والحافظ في الحقيقة هو الله جل وعز؛ قال الله عز وجل: {فالله خَيْرٌ حافظاً} [يوسف: 64]، وقال: {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بالليل والنهار مِنَ الرحمن} [الأنبياء: 42].
وما كان مثله.
قوله تعالى: {فَلْيَنظُرِ الإنسان} أي ابن آدم {مم خُلِقَ}؟ وجه الاتصال بما قبله توصية الإنسان بالنظر في أوّل أمره وسنته الأولى، حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه؛ فيعمل ليوم الإعادة والجزاء، ولا يُمْلِي على حافظه إلا ما يسره في عاقبة أمره.
و{مم خُلِقَ}؟ استفهام؛ أي من أي شيء خلق؟ ثم قال: {خُلِقَ} وهو جواب الاستفهام {مِن مَّاءٍ دَافِقٍ} أي من المنِيّ.
والدّفْق: صب الماء، دفقت الماء أدفُقُه دفقاً: صببته، فهو ماء دافق، أي مدفوق؛ كما قالوا: سِرّ كاتِم: أي مكتوم؛ لأنه من قولك: دُفِق الماء، على ما لم يُسَمَّ فاعله.
ولا يقال: دَفَق الماءُ.
ويقال: دفَقَ الله رُوحَه؛ إذا دُعِي عليه بالموت.
قال الفراء والأخفش: {من ماءٍ دافِقٍ} أي مصبوب في الرّحِم.
الزجاج: من ماء ذي اندفاق.
يقال: دارع وفارس ونابل؛ أي ذو فرس، ودِرع، ونبل.
وهذا مذهب سيبويه.
فالدافق هو المندفق بشدّة قوّته.
وأراد ماءين: ماء الرجل وماء المرأة؛ لأن الإنسان مخلوق منهما، لَكِنْ جعلهما ماء واحدا لامتزاجهما.
وعن عكرمة عن ابن عباس: {دافِقٍ} لَزِج.
{يَخْرُجُ} أي هذا الماء {مِن بَيْنِ الصلب} أي الظهر.
وفيه لغات أربع: {صُلْب}، و{صُلُب} وقرئ بهما، وصَلَب (بفتح اللام)، وصالب (على وزن قالب)؛ ومنه قول العباس:
تُنْقَلُ من صالَبٍ إلى رَحِمٍ

{والترآئب}: أي الصدر، الواحدة: تَرِيبة؛ وهي موضع القِلادة من الصدر.
قال:
مهْفهفة بيضاء غيرُ مُفاضةٍ ** ترائبُها مصقولةٌ كالسَّجَنْجَلِ

و{الصلب} من الرجل، و{الترائب} من المرأة.
قال ابن عباس: {الترائب}: موضع القلادة. وعنه: ما بين ثدييها.
وقال عكرمة ورُوي عنه: يعني ترائب المرأة: اليدين والرجلين والعينين؛ وبه قال الضحاك.
وقال سعيد بن جبير: هو الجِيد.
مجاهد: هو ما بين المنكِبين والصدر.
وعنه: الصِّدَر.
وعنه: التراقي.
وعن ابن جبير عن ابن عباس: {الترائب}: أربع أضلاع من هذا الجانب.
وحكى الزجاج: أن {الترائب} أربع أضلاع من يمنة الصدر، وأربع أضلاع من يسرة الصدر.
وقال معمر بن أبي حبيبة المَدَنيّ: {الترائب} عُصارة القلب؛ ومنها يكون الولد.
والمشهور من كلام العرب: أنها عظام الصدر والنحر.
وقال دُريد بن الصمة:
فإن تدبِروا نأخذكُمُ في ظهورِكُمْ ** وإن تقبِلوا نأخذكم في الترائب

وقال آخر:
وبدت كأن ترائبا من نحرها ** جمرُ الغَضَى في ساعدٍ تتوقد

وقال آخر:
والزعفرانُ على ترائِبِها ** شِرق به اللبات والنحرُ

وعن عكرمة: الترائب: الصدر؛ ثم إنشد:
نِظامُ دُرٌ على ترائبها ** وقال ذو الرمّة:

ضَرَجْن البرود عن ترائب حرة

أي شققن.
ويروى (ضرحن) بالحاء؛ أي ألقين.
وفي الصحاح: والتريبة: واحدة الترائب، وهي عظام الصدر؛ ما بين الترقوة والثَّندُوة.
قال الشاعر:
أشرفَ ثَدياها على التَّرِيبِ

وقال المثقِّب العَبْدِيّ:
ومِن ذَهَبِ يُسَنّ على تَرِيبٍ ** كلون العاج ليسَ بذي غُضونِ

عن غير الجوهريّ: الثندوة للرجل: بمنزلة الثدي للمرأة.
وقال الأصمعيّ: مَغْرِز الثدي.
وقال ابن السكيت: هي اللحم حول الثدي؛ إذا ضممت أوّلها همزت، وإذا فتحت لم تهمز.
وفي التفسير:
يخلق من ماء الرجل الذي يخرج من صلبه العظم والعصب.
ومن ماء المرأة الذي يخرج من ترائبها اللحم والدّم؛ وقاله الأعمش.
وقد تقدّم مرفوعاً في أوّل سورة (آلِ عمران). والحمد لله.
وفي (الحجرات) {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى} [الحجرات: 13] وقد تقدّم.
وقيل: إن ماء الرجل ينزل من الدماغ، ثم يجتمع في الأنثيين.
وهذا لا يعارض قوله: {من بين الصلب}؛ لأنه إن نزل من الدماغ، فإنما يمرّ بين الصلب والترائب.
وقال قتادة: المعنى ويخرج من صلب الرجل وترائب المرأة.
وحكى الفراء أن مثل هذا يأتي عن العرب؛ وعليه فيكون معنى من بين الصلب: من الصلب.
وقال الحسن: المعنى؛ يخرج من صلب الرجل وترائب الرجل، ومن صلب المرأة وترائب المرأة.
ثم إنا نعلم أن النطفة من جميع أجزاء البدن؛ ولذلك يُشْبه الرجل والديه كثيراً.
وهذه الحكمة في غسل جميع الجسد من خروج المني.
وأيضًا المكثر من الجماع يجد وجعاً في ظهره وصلبه؛ وليس ذلك إلا لخلوّ صلبه عما كان محتبساً من الماء.
وروى إسماعيل عن أهل مكة {يخرج من بين الصُّلُب} بضم اللام.
ورُوِيت عن عيسى الثقفي.
حكاه المهدويّ وقال: من جعل المنِيّ يخرج من بين صلب الرجل وترائبه، فالضمير في {يخرج} للماء.
ومن جعله من بين صلب الرجل وترائب المرأة، فالضمير للإنسان.
وقرئ: {الصَّلَب}، بفتح الصاد واللام.
وفيه أربعُ لغات: صُلْب وصُلُب وصَلَب وصَالَب.
قال العَجَّاج:
في صَلَبٍ مثلِ العِنان المؤدَمِ

وفي مدح النبيّ صلى الله عليه وسلم:
تُنْقَل من صَالَبٍ إلى رَحِمٍ

الأبيات مشهورة معروفة.
{إنه} أي إن الله جل ثناؤه {على رَجْعِهِ} أي على ردّ الماء في الإحليل، {لَقَادِرٌ} كذا قال مجاهد والضحاك.
وعنهما أيضًا أن المعنى: إنه على رد الماء في الصلب؛ وقاله عكرمة.
وعن الضحاك أيضًا أن المعنى: إنه على ردّ الإنسان ماء كما كان لقادر.
وعنه أيضًا أن المعنى: إنه على ردّ الإنسان من الكِبَر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الكبر، لقادر.
وكذا في المهدوِيّ.
وفي الماوردِيّ والثعلبيّ: إلى الصِّبا، ومن الصبا إلى النطفة.
وقال ابن زيد: إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج، لقادر.
وقال ابن عباس وقتادة والحسن وعكرمة أيضًا: إنه على ردّ الإنسان بعد الموت لقادر.
وهو اختيار الطبريّ.
الثعلبيّ؛ وهو الأقوى؛ لقوله تعالى: {يوم تبلى السرآئر}.
قال الماورديّ: ويحتمل أنه على أن يعيده إلى الدنيا بعد بعثه في الآخرة؛ لأن الكفار يسألون الله تعالى فيها الرَّجْعة. اهـ.